متى يكون التقسيط ميزة لا عيبًا
تدوينة أناقش فيها التقسيط، بأنه في ظني ليس عيبًا مطلقًا. التدوينة توضح الضوابط لذلك وتعرض أمثلة عملية لاستخدام التقسيط بذكاء لا ذريعة للاستهلاك.
أحيانًا يبدو التقسيط كأنه باب إلى إنفاق لا ضرورة له، غير أن بعض التجارب تُرينا صورة أخرى أكثر توازنًا. إذا عزمت على الشراء أصلًا، وكان الشيء مما تحتاج إليه أو تراه نافعًا نفعًا قريبًا، وتملك القدرة على دفع ثمنه نقدًا من غير حرج، عندئذ يغدو التقسيط في نظري ميزة لا عيبًا؛ لأن توزيع المبلغ على أشهر يخفف ضغط هذا الشهر ويحافظ على سيولة الطوارئ، ما دام الثمن الإجمالي قريبًا من السعر النقدي، وما دامت الإدارة منضبطة.
تصور موظفًا ملتزم هذا الشهر بمصاريف مدرسة ومراجعة طبية مفاجئة، وهو يعمل يوميًا في اجتماعات تتأثر بسبب سماعات ضعيفة. السماعات الجديدة ستؤثر فورًا في راحته. السعر نقدًا يعادل المبلغ المقسط على ثلاثة أشهر من غير كلفة إضافية. لديه صندوق طوارئ لا يريد المساس به. في هذه الحالة التقسيط لا يصنع رغبة طارئة، بل يخدم حاجة مقررة سلفًا ويعيد ترتيب التدفق النقدي من غير زيادة حقيقية في الكلفة. بعد أشهر، تنخفض التزاماته فيعود مساره المالي إلى سلاسته المعتادة.
وتصور أسرة تعطلت غسالتها فجأة. شراء غسالة جديدة نقدًا الآن يغر ممكن، أغلب الناس -من هم ضد التقسيط- يقولون لهم : اجمعوا مالًا، لكن هذا لا يضع في الحسبان أسابيع من المشقة وكلفة الغسيل الخارجي التي تتراكم لتصبح بسعر غسالة جديدة، خصوصًا أن الثمن الإجمالي بالتقسيط يساوي الشراء النقدي. التقسيط هنا يمكّنهم من العيش الطبيعي اليوم، ويكبح نفقات جانبية أغلى. لا شيء في هذا يدعو إلى الحرج، لأن القرار نشأ من حاجة واضحة ومحددة، ولم ينشأ من عرض مغر.
يجب أن نعي أن التقسيط ليس عصًا سحرية. فإذا تحوّل إلى ذريعة لشراء أشياء لم تكن ضمن نيتك، انفرط العقد. وإذا تكدست الأقساط الصغيرة على اختلاف المتاجر، ثقلت الذمة وارتبك الذهن. فالحذر من الرسوم الخفية واجب، والالتزام بنسبة آمنة من الدخل مهم. عند أول تغير جوهري في ظروفك ينبغي مراجعة القرار وإيقاف أي التزامات جديدة حتى تعود الأرض صلبة تحت القدمين.
الشاهد أن التقسيط أداة، أحيانًا تمنحك تنفسًا ماليًا قصير المدى من غير زيادة حقيقية في الكلفة، وتتيح لك المحافظة على احتياطك في وقت تحتاج فيه إلى الشيء الآن.
وقد جُرّب أن من أحسن التدبير أغناه القليل، وأن المال إذا طاش في يد صاحبه صار سيدًا لا خادمًا. المقصود هنا ترتيب تدفق المال لا صناعة رغبة جديدة. في المثال الأول، التقسيط يحفظ صندوق الطوارئ، وفي الثاني يمنع كلفة غير مباشرة أغلى من الثمن نفسه.
وتزيد الصورة وضوحًا حين نضع ضوابط العملية في ذهننا، وهذه الضوابط هي محض رأي من عندي قابل للتغيير مستقبلًا:
-أولًا وضوح النية قبل العرض؛ اسأل نفسك سؤالًا واحدًا في هدوء هل كنت سأشتري هذا الشيء أصلًا لو لم توجد أقساط إذا كانت الإجابة نعم وبقيت الشروط الأخرى قائمة، فالغالب أن التقسيط هنا أداة تنظيم؛ أما إذا كانت الإجابة لا، فقد صنع العرض رغبة عابرة.
-ثانيًا نسبة الالتزامات الثابتة إلى الدخل ينبغي أن تبقى في نطاق آمن؛ إذا كان دخلك عشرة آلاف مثلًا فلا تدع أقساطك وتمويلاتك تتجاوز نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة، وإلا انكسرت عند أول طارئ.
-ثالثًا وجود احتياطي يكفي لأشهر ضرورية يقي من الانزلاق في دوامات؛ التقسيط منقذ حين يكون الاحتياطي حاضرًا.
-رابعًا الكلفة الإجمالية يجب أن تكون مساوية للسعر النقدي أو قريبة منه قربًا لا يغيّر القرار؛ أي رسوم إدارية أو تأمين ملزم ينبغي أن تُحسب ضمن الثمن، فبعض العروض تساوي صفرًا في الربح الظاهر وتخفي زيادات صغيرة تغير من جدوى القرار.
-خامسًا الانتباه لقيمة العرض؛ أحيانًا يمنح التاجر خصمًا نقديًا حقيقيًا يجعل الدفع الفوري أفضل، وحينئذ تكون ميزة الاحتفاظ بالسيولة أضعف نفعًا من الشراء نقدًا.
ومع كل ذلك يبقى الميزان هو القصد. النفس تميل إلى العاجل، والمال يفتن صاحبه إذا لم يُحكم قضبته عليه، لذا فحسن السؤال قبل القرار نصف السلامة، ما حاجتي الحقيقية؟ ما كلفتي التامة؟ ما سقف التزامي الآمن؟ ما خطة السداد؟. فإذا بانت الأجوبة، وانعقد العزم على الشراء، ووُجدت قدرة نقدية، وبقيت الكلفة عادلة، كان التقسيط عندها أداة تروّض التدفق النقدي وتُبقي ماء الوجه محفوظًا عند الطوارئ.
وتذكر:
النفسُ راغبةٌ إذا رغَّبتْها
وإذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تَقنَعُ